حقوق الغلاف محفوظة لمدونة دار زهرة الرافدين للنشر والتوزيع |
التطور الستراتيجي
وأثره على أدارة الصراع الامريكي السوفيتي
في الخليج العربي
1945 - 1968
الكاتب الدكتور محمد محمود المندلاوي
طبع الكتاب سنة 2012
نبذة عن الكتاب :
عندما انهار الاتحاد
السوفيتي ومعسكره في بداية تسعينات القرن العشرين انهار
معه كل النظام الدولي الذي
نشأ بعد الحرب العالمية الثانية(1939-1945)
وانهارت معه معظم القيم والأسس التي كانت تحكم العلاقات
الدولية وبدأت تنشأ
ظروف جديدة مغايرة تحاول ان ترسخ نفسها لتتبلور على شكل نظام
جديد كان
من ابرز سماته حصول تحولات وتغيرات جذرية مهمة في تشكيل وتوزيع القوى
على
المستوى العالمي وظهور قطبان جديدان اصبحا وحدهما القادران على
تقرير صورة النظام
الدولي بما يملكانه من قدرات فائقة، ونتيجة لذلك التغيير
تحول النسق العالمي الى
ما يعرف بأسم النظام الدولي ثنائي القطبية، ونظراً
للتنافس والصراع بينهما انقسم
العالم الى كتلتين رئيسيتين، الاولى- الكتلة
الرأسمالية الغربية وتتزعمها الولايات
المتحدة الامريكية ومن ورائها دول غرب
اوربا وكندا واليابان.
والثانية –تعرف بأسم الكتلة
الاشتراكية الشيوعية ويتزعمها الاتحاد السوفيتي
ومن خلفه دول شرق اوربا.
وتمثل تحالف القوى في كلا
الكتلتين الى ظهور حلف الشمال الاطلسي وحلف
وارسو، وبدأ التنافس يأخذ منحاً نحو
التصعيد حول اقتسام مناطق النفوذ حتى
كادت تلك الخلافات والازمات كالحرب الكورية
عام 1950 وازمة الصواريخ
الكوبية عام
1962 ان تعصف بالسلم الدولي
بالأتجاه نحو كارثة حرب عالمية
ثالثة، لولا الادراك الواعي لصناع القرار السياسي
في كلا البلدين من مخاطر
المواجهة المباشرة بينهما لاسيما في ظل التطور التكنولوجي
الكبير وظهور
انواع جديدة من الاسلحة الفتاكة ومنها السلاح النوي الذي يمتاز
بقدرات
تدميرية واسعة.
وتم اطلاق اصطلاح الحرب
الباردة على تلك الحقبة الزمنية التي شهدت الصراع
الأيديولوجي بين الولايات
المتحدة الامريكية والاتحاد السوفيتي لعدم حصول
التصادم العسكري بين الاطراف
المتنازعة وتم فض جميع المنازعات او الأزمات
عن طريق المفاوضات الثنائية وغير
الثنائية المباشرة وغير المباشرة
ومؤتمرات القمة الدولية التي كان من شأنها ان
افضت بالحلول السلمية التي
أدت الى الوفاق الدولي.
امتد هذا الصراع الايديولوجي
منذ منتصف الاربعينات وأزدادت سخونته في
الستينيات من القرن العشرين، ويمكن رؤية
نهاية الحرب الباردة فيما بعد
بوضوح تام مع انهيار الاتحاد السوفيتي وتفككه عام 1991 ليمثل ذلك نصراً
استراتيجياً للولايات
المتحدة على عدو لطالما اقلقه كثيراً في ظل التنافس على
زعامة العالم.
والجدير بالذكر ان قوة
الولايات المتحدة لم تبدأ بعد انهيار الاتحاد السوفيتي كما
يعتقد البعض وانما هي
اساساً تطورت اثناء الصراع الستراتيجي مع الاتحاد
السوفيتي الى حد كبير، وكان هدف
امريكا في سياستها الخارجية طوال الفترة
من عام 1945 الى عام 1968 هو الهيمنة على العالم.
ولمعرفة الوسائل الستراتيجية
التي اعتمدتها كل من الولايات المتحدة الامريكية
والاتحاد السوفيتي لتحقيق أهدافهم
السياسية في منطقة الخليج العربي خلال
مرحلة الحرب الباردة تحديداً من عام (1945-1968) كان لابد من دراسة أثر
التطور
الستراتيجي على السياسة الخارجية الامريكية والسوفيتية والبحث عن
الاجراءات التي تم اتخاذها ضمن الحسابات الستراتيجية للقوتين العظميين في
تلك الفترة بالاعتماد على اكثر الوسائل فعالية وهو التخطيط الاستراتيجي
المبني
على
اسس الخبرة والكفاءة العلمية العالية لتحليل المعلومات الخاصة والتنبؤ
في مسالك
العمل السياسي ورسم الخطوط العريضة للاهداف وطرق تحقيقها.
الامر الذي عزز الرؤية
العلمية بالبحث في أثر التطور الستراتيجي على الاداء
السياسي الخارجي على اعتبار
ان التخطيط الستراتيجي امراً لاغنى عنه لكونه
يشكل هدفاً حيوياً لاستقراء الاحداث
التي واكبت الفترة المحددة للبحث وثقافة
لا
مفر من تبنيها كأفضل خطوة معتمدة في اسلوب البحث العلمي لمعرفة كيفية
تحقيق
الاهداف السياسية.
وجاءت اهميتها ايضاً كونها
تعد موضوعاً هاماً وحيوياً على الصعيد العالمي
حيث ركز على الفكر الستراتيجي
لترشيد السياسة الامريكية السوفيتية من
تاريخ العلاقات الدولية والتي تعتبر من اهم المراحل التأريخية التي مرت بها كلا
الدولتين المعنيتين بالصراع والمجتمعات الدولية في القرن الماضي الذي بدأ
متعدد
الاقطاب ولكن بعد حربين عالميتين وعدد من النزاعات اصبح ثنائي
القطبية ومع انتهاء
الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفيتي دخل النظام العالمي
مرحلة الاحادية القطبية
(الامريكية).
لعبت مؤسسات الفكر
والرأي الامريكية بشكل خاص في هذه الحقبة
المعنية
بالدراسة دوراً بارزاً في صياغة السياسة الخارجية الامريكية
.
وكان تأثيرها واضحاً على
صانعي السياسة الخارجية للولايات المتحدة – خلاف
مؤسسات الفكر والرأي السوفيتية
التي لم يكن لها دوراً بارزاً وحقيقياً في
صياغة السياسة الخارجية السوفيتية وأقل
تأثيراً على صانعي السياسة
الخارجية
في الاتحاد السوفيتي. وقد اتضحت تأثيرات تلك المؤسسات الامريكية بوضوح
في عدة اتجاهات هي:-
1- توليد أفكار وخيارات
مبتكرة في السياسة الخارجية وأبرز مثال على ذلك، عندما
تبنت القيادة الامريكية
سياسة الاحتواء التي اقترحها رئيس قسم التخطيط في وزارة
الخارجية الامريكية جورج
كينان عام 1947، استهدفت هذه السياسة تحقيق
المصالح الامريكية والغربية بالوسائل السلمية المدعومة بالتهديد العسكري المبطن
من
خلال أحاطة الاتحاد السوفيتي بسلسلة من الاحلاف مثل الناتو والسيتو وحلف
بغداد
ودعم الانظمة الرأسمالية الموالية للسياسة الامريكية عن طريق المساعدات
الاقتصادية
والفنية للحد من سياسة القيادة السوفيتية التوسعية.
وقد نجحت الخطة واصبحت
الخطوة الاساسية المعتمدة في اسلوب السياسة
الخارجية الامريكية ورجحت الاجراءات
المتخذة لتلبية اهدافها المرسومة.
2-توفير مكاناً للنقاش على
مستوى رفيع، للتوصل الى تفاهم مشترك ان لم يكن
هناك اجماع حول خيارت السياسة
الخارجية.
3- تثقيف مواطني الولايات
المتحدة الامريكية عن العالم والعمل على أثراء الثقافة
المدنية الامريكية عن طريق
تعريف المواطن الامريكي بطبيعة العالم، لهذا اصبح
للمواطن الامريكي العادي دور
متنام في السياسة سواء كانت الداخلية او الخارجية.
4-وسيلة مكملة للجهود الرسمية
للتوسط وحل النزاعات من خلال رعاية الحوارات
الحساسة وتأمين وساطة كفريق ثالث بين
الاطراف المتنازعة مثل معهد السلام
الامريكي الذي تميز باعمال الوساطة بصورة نشيطة
في الدبلوماسية الوقائية
الامريكية وفي تدبر امور النزاعات وحلها.
وهكذا تتضح اهمية دور
المؤسسات الفكرية الحكومية وغير الحكومية للولايات
المتحدة التي أعتمدت على عدد من الستراتيجيات والوسائل
في التأثير على
مسار السياسة الخارجية الامريكية، في العالم بشكل عام ومنطقة
الخليج العربي
بشكل خاص فالكفاءة المتوفرة في مؤسسات الفكر والرأي اثبتت جدواها
ونجاحها المتميز في الحرب الباردة من خلال توفير المعلومات اللازمة لصناع
القرار
السياسي، كما تمكنت في اوقات كثيرة من تقديم الدراسات القيمة التي
ساعدت القيادة
الامريكية على أتخاذ القرارات المهمة بشأن قضية معينة او
موقف ضد دولة معينة.
ان هذه المراكز التي تضم
العديد من الخبراء والمختصين الذين يقدمون العديد
من البدائل والستراتيجيات في
عملية التطور الستراتيجي تعد على مستوى عال
من النشاط الفكري كان لها التأثير
الايجابي على عملية السياسة الخارجية
الامريكية ,
في معظم فترات الصراع مع السوفيت
خصوصا في منطقة الخليج العربي اكدت
على دلالة منطقية وواقعية بأن الاسلوب الذي
اعتمدته الولايات المتحدة الامريكية
باللجوء الى البحث العلمي كان عاملاً اساسياً
في ترجيح قوتها في ضوء الواقع
الملموس على النحو الذي تم فيه الاستعانة بالتخطيط
الستراتيجي بالشكل
الصحيح في اختيارات مسالك العمل المرتبطة بالسياسة الخارجية
ومجموعة
الاجراءات والبدائل التي تم اختيارها في مراحل العمل المختلفة أبان الصراع
الامريكي السوفيتي في حقبة الحرب الباردة. في منطقة الخليج العربي المحددة
في فترة
البحث من 1945 -1968، وكان الغاية من اختيار موضوع الدراسة
عام 1945 انطلاقاً من أهمية التطورات السياسية
والاقتصادية التي حصلت في
العالم خصوصاً وقد سجلت المواجهة بين اعظم قوتين في
العالم.
ساهمت عدة عوامل في تصعيد
حدة هذه المواجهة ولعل اهمها التطورات النفطية
مع وصول جونسون الى الرئاسة
الامريكية. حيث اخذت كل من الولايات
المتحدة الامريكية والاتحاد السوفيتي تمهد النظر في ستراتيجيتها البترولية
بعد
تراجع وتائر نمو الطاقة التكريرية واصبحت منطقة الخليج العربي هدفاً حيوياً
للاطماع من قبل الدول الكبرى سواء للاهمية الاقتصادية أو للاسباب
الجيوستراتيجية
التي تمتلكها الاقطار المحيطة بمياه الخليج العربي ولتصبح هذه
المنطقة ضمن الحسابات الاستراتيجية للقوتين العظميتين
وجاء اختيار عام
1968 امتداداً لدراسة التطور
الستراتيجي وتأثيره على إدارة الصراع بين
الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد السوفيتي في منطقة الخليج العربي انطلاقاً
من اهمية المنطقة ومساسها
بمستقبل العلاقات الدولية ودوراً حاسماً في
الصراع الدائر بين الكتلتين وعاملاً
مؤثراً في سلوك صناع القرار خاصة
الدول الصناعية ويمكن القول ان عام 1968 كان بداية المحاولات الكبيرة
لتأمين موارد النفط من الشرق الاوسط
ومنطقة الخليج العربي بالذات واصبح
الهدف الاستراتيجي الأول في التخطيط السياسي
للولايات المتحدة في المنطقة
مواجهة القوة السوفيتية لارتباط النفط بموقعها كدولة
عملاقة تتزعم مايسمى
بالعالم الحر. فجاءت
فترة الدراسة (1945- 1968) متوافقة مع تزايد اهمية
منطقة الخليج
العربي ضمن الحسابات الستراتيجية الامريكية والسوفيتية بعد ان
اصبحت هدفاً حيوياً
لاطماعهما الاستعمارية.
لتوضيح أهمية التطور الستراتيجيي وأثره في إدارة الصراع بين الولايات المتحدة الامريكية
والاتحاد السوفيتي في منطقة الخليج العربي و قراءة مسار السياسة الخارجية لكلا القوتين
العظميتين والخطوط العريضة
لاهدافهم تحديداً الفترة من 1945-1968 واختيار الخليج العربي ضمن الحسابات
الستراتيجية الحيوية لكلا القوتين ساهمت وفقاً لقراءة بحتة مرتكزة على قاعدة التخطيط الستراتيجي وما نلتمسه من تأثيرها في
صنع السياسة الامريكية والسوفيتية التي مرت بها دول العالم خلال مرحلة الحرب
الباردة بتحولات سياسية عديدة وكان الاتحاد السوفيتي يمثل المنظومة الاشتراكية
والخيار الايديولوجي الشمولي والى جانبها دول اوربا الشرقية تتبنى نهجاً قائماً
على الانغلاق السياسي وتعادي النظام الرأسمالي والانفتاح الاقتصادي الامريكي الذي
كان يمثل المنظومة الرأسمالية والخيار الليبرالي التعددي، وقد حققت امريكا بعض
الخطوات المهمة في هذا المجال خلال صراعها مع السوفيت تلك الفترة الزمنية المشار
اليها في البحث.
لقد شرعت الولايات المتحدة الامريكية في
عملية مراجعة للكثير من مرتكزاتها السياسية والاقتصادية لا ايماناً لكي تسبق
السوفيت في هذا الصراع فحسب وانما لتحافظ على موقعها العالمي وتؤمنها للاجيال
القادمة لتستمر في الحفاظ على زعامة العالم، لذا فقد رأى صناع القرار في الولايات
المتحدة ان نظام الدولة يتطلب عملية مراجعة تامة لكل المجالات السياسية
والاقتصادية وتحديد مواقع الخلل كي يتم وضع العلاج لها خصوصاً في ستراتيجية
سياستها الخارجية في منطقة الخليج العربي والشرق
الاوسط وبات من الواضح ان اجراء آلية الاصلاح السياسي في امريكا كانت على
درجة من الكفاءة، لانها اختارت الشكل الانتقائي في تخطيطها الستراتيجي ولم يكن ذلك
الاصلاح يجرى وفق عملية منفصلة بل كانت تجري وفق عملية الاصلاح السياسي والاقتصادي
والثقافي بشكل متواز ومتفاعل لان كلا منها مرتبط بالآخر ولا يمكن فصل احداهما عن
الآخر.
واي فصل بينهما تأتي النتائج سلبية
ويصبح الاصلاح السياسي شكلياً، لذ سعت امريكا منذ الحرب العالمية الاولى الى ايجاد
تنمية سياسية حقيقية فاعلة وتعلن عن وجود خطط ستراتيجية للاصلاح السياسي بالشكل
الذي نتج عنه جدوى لانجاح آلية التنمية والاصلاح السياسي في جو من الجدية
والشفافية بواسطة نظام حكومي يتمتع بالنزاهة ويضع في حساباته المصلحة الوطنية فوق
اي اعتبار آخر، لذا ولدت امريكا بحيث تضمن لمجتمعها تطوراً نوعياً وقيمياً وتسير
بانسياق لتواصل النجاح بشكل واقعي بالاعتماد على خبرات حديثة للنخب الفكرية ممن
يتولون عملية رسم آفاق جديدة لدولة امريكا المستقبلية وليتابع البلد والمجتمع
مسيرته نحو الافضل.
لذا كانت التنمية وعملية الاصلاح السياسي تتناسب
مع العصر في مرحلة الحرب الباردة، ولان العالم اجمع يمر بمرحلة انتقالية جديدة من
الحياة فان التغيير في الستراتيجية السياسية للولايات المتحدة تغييرت لتلائم نفسها
مع معلم الحياة الجديدة لتتناسب مع مرحلة جديدة أخرى في ضوء تحقيق ماسيترتب على
نجاح ستراتيجيتها في هزيمة السوفيت، لذا فأن اهمية التطور الستراتيجي في آثره على
الاداء السياسي الخارجي الامريكي من عام 1945- 1968
في منطقة الشرق الاوسط وفي الخليج العربي
بالذات لم يكن محدداً على جانب واحد يمكن القول انه يوجز المهمة.
آراء:
إرسال تعليق