كتاب الفكر التكفيري وإستراتيجية الصراع المذهبي في الشرق الأوسط - الدكتور محمد محمود المندلاوي | دار زهرة الرافدين - 2018
لقد أستغل الفكر
التكفيري الأسلام لتحقيق أهدافه لخدمة المخططات والمصالح الأمبريالية الأمريكية
والأوربية والصهيونية التي تحالفت مع الوهابية المتطرفة لأنتاج هذه الظاهرة التي
أقلقت العالم حتى عدت من الظواهر الخطيرة, و باتت تهدد أمن وأستقرار الأمم والشعوب
كافة, فالذي يحمل الفكر التكفيري, أنسان عدواني متعصب متطرف لايتفق مع الآخرين في
الرأي أو لايلتقي معهم في المذهب أو الدين, وأبتلت الأمة الأسلامية بمجاميع من
أنصاف المتفقهين الذين يتعجلون الأفتاء في أرتداد من يخالفهم الرأي في بعض المسائل
العقائدية أو الفقهية, والتاريخية ويرتبون على ذلك أهدار دمه وأستحلال ماله
وأنتهاك حرمته.
والتكفير ظاهرة
ليست بجديدة على المجتمعات الأنسانية, وتمتد جذورها الى العصر الأسلامي الأول,
ويرى بعض المؤرخين والمفكرين بأنها أمتداد الى فتنة السقيفة, ومن ذلك نستنتج رؤية
منطقية تقودنا الى القول بأن الخلاف التاريخي الذي نشأ بين الشيعة والسنة قد
أنطلقت بداياتها من باحة هذه السقيفة, و كل خلاف " جاء بعده فهو عيال عليه,
وأكبر دليل على ذلك أن العقائد التي يشنع بها أهل السنة على أخوانهم من الشيعة
ترتبط أرتباطاً وثيقاً بموضوع الخلافة وتتفرع منه ". وهذا يعني بأن التكفير مسألة
سياسية بوجه ديني لأن قتل المعارضين أو أقصائهم قد أعتكز عليها المكفرون, ومنحهم
تبريراً على أرتكاب الجرائم.
وما جرى في خفايا
سقيفة بني ساعده, وما أتفق عليه من كانوا يسمون بأصحاب رسول الله (صلى الله عليه
وآله وسلم) قد أقصوا الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) بفتوى الأول الى الثاني
ومنحه تفويض السلطة السياسية على حساب صاحبها الشرعي فكانت الباحة لتلك السقيفة
المتهاوية السبب في جميع الفتن التي لحقت بالأمة فيما بعد ..
أن المراد بالفتنة
إشارة الى ما أجتمع عليه المسلمين بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
بأجماع كبار الصحابة في السقيفة كل يريدها لنفسه الى الحد الذي وصلت فيه الخلافات
والصراع على الخلافة وقتذاك الى حد خطير هددت كيان الدولة الأسلامية بالأنهيار ويمكن
التأكيد على أنها هي الأخطر من بين جميع الفتن التي تعرضت لها الأمة بلا شك.
وبمرور الزمن تحول
هذا التيار الذي تصارع على الخلافة الى فرقة تسمى بالخوارج بنت كيانها السياسي على
أثر نجاحها في فرض نظريتها السياسية المتعصبة التي نادت بها إثر التحكيم في معركة
صفين.
وما أقترفه
الخوارج بحق المسلمين من تكفير وقتل لم يختلفوا فيه كثيراً في أرائهم ضمن هذا
الموضوع بالأتفاق مع آراء البلاط الأموي في أقصاء وذبح شيعة الإمام علي (عليه
السلام) لقد كشفت السقيفة عن عورات, وأسقطت أقنعة الذين تظاهروا بالتقوى فظهروا
على حقيقتهم التي حاولوا ما أستطاعوا أخفائها عن الناس, ومقابل هذه الفئة ظهرت فئة
أخرى مقاومة تحت تسمية الشيعة الذين كان همهم أخماد تلك الفتنة .
أن رفض زعامة
الإمام علي (عليه السلام) كانت منطلق المظلومية الأولى لأهل بيت النبوة, ومهما يكن
من أمر فقد فتحت أبواب تلك الفتنة ولم يستطيعوا العرب من وأدها فأفنت من رجالها
الكثيرين على مدى التاريخ, وكانت البداية حروب الردة وأمتناع آخرين عن الزكاة,
وتشكيك آخرين بدعوة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أما عن قول الجهلة الذين
يدعون بأن الشيعة أتبعوا علي بن أبي طالب (عليه السلام) أما أهل السنة أتبعوا رسول
الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فهذا كلام سخيف يراد به فرقة المسلمين, وهو أبتداع
يهودي أموي غايته أثبات أن الإمام علي (عليه السلام) خالف الرسول (صلى الله عليه وآله
وسلم) ولكنهم فشلوافي مبتغاهم مهما طبل وزمر جلاوزتهم في الدعوة لذلك لأن علياً هو
السنة, والسنة هي علي, فهو مفسرها والقائم عليها وحاميها ومؤيدها والمستشهد من
أجلها, فالتكفير لم يأت من فراغ, ولم يأت كأجتهاد محدد بزمان ومكان, معينين بل
سبقتها جرائم وحوادث تاريخية بقت الشاهد على تلك الفترة التي أصبحت فيه قتل
المعارضين من خلال تكفيرهم, فقد أقدم خالد بن الوليد على قتل مالك بن نويرة بعد
تكفيره ليس لأنه أرتد أو رفض أداء الزكاة بل لأنه عارض خلافة أبي بكر التي منحت له
بتفويض من عمر, وكان أبن نويرة يرى بأنها لعلي (عليه السلام) ولذلك يؤكد الكثير من
المفكرين والباحثين والمؤرخين بأن مايجري اليوم من أنتشار ظاهرة التكفير هو أمتداد
لما جرى بالأمس, فمنهم من يرى أيضاً بأنها أمتدت من زمن الغزالي الذي كفر
الفاطميين خصوم السلاجقة والدولة العباسية, والبعض الآخر يرى بأنها أمتدت من أبن
تيمية الذي لم يستثني أحداً بل كفر الجميع, ويرى آخرون بأن جذورها تعمقت في فترة
ظهور الفرق الأسلامية والكلامية التي كفرت بعضها بعضاً.
أن أغلب العلماء
الذين دأبوا على الجري وراء الحكام وأستمالتهم بالفتاوى والتملق طمعاً في ماعندهم
من مال وجاه, عمل هؤلاء دائماً على سياسة " فرق تسد " فلم يسمحوا لأحد
بالأجتهاد وفتح ذلك الباب الذي أغلقه الحكام في بداية القرن الثاني معتمدين على
مايثار
هنا وهناك من فتن
وحروب بين السنة والشيعة, وهي الأغلبية الساحقة التي تمثل الأنظمة الحاكمة,
والشيعة هي الأقلية المنبوذة, والتي تمثل في نظرهم المعارضة الخطيرة التي يجب
القضاء عليها, وبقي علماء السنة مشغولون بتلك اللعبة السياسية الماكرة في نقد
وتكفير الشيعة والرد على أدلتهم بكل فنون النقاش والمجادلة حتى كتبت في ذلك آلاف
الكتب وقتلت آلاف النفوس البريئة ليس لها ذنب غير ولائها لعترة النبي (صلى الله
عليه وآله وسلم) ورفضها للحكام الذين ركبوا أعناق الأمة بالقوة والقهر.
أما عن ظهور
الجماعات التكفيرية حديثاً ...
فقد ظهر بجلاء أن
الدول الغربية تستثمر الأرهاب لخدمة مصالحها ومصالح أسرائيل, وتتحمل واشنطن
مسؤولية تمدد داعش والنصرة في سوريا والعراق وليبيا, فالأرهاب الذي تشهده منطقة
الشرق الأوسط هي صناعة الأستعمار والصهيونية, والمجموعات التكفيرية والأنظمة
الأستبدادية, وتصاعدت وتيرته بدعم من أموال وأسلحة السعودية وبقية دول الخليج .
فالنظام السعودي
لم يقدم أية قيمة صحيحة أو جديدة للدين الأسلامي والفكر الأنساني, ولا يملك أية
مقومات حضارية ولا ثقافية متسامحة, وأنما قامت بأستغلال أموال النفط الطائلة لنشر
الأفكار والتقاليد والعادات التكفيرية, ودعم الأرهاب الوهابي التكفيري والمجموعات
التكفيرية الأخرى في البلاد العربية والأسلامية.
أن هذا الفكر
التكفيري الذي تدعمه السعودية قد أستغل الأسلام لتحقيق أهدافه لخدمة المخططات
والمصالح الأمريكية والأوربية والصهيونية العالمية بغية تهويد فلسطين وضماناً
لأستمرار حكم آل سعود وحماية ممتلكاتهم, وأستثماراتهم ومصالحهم الشخصية.
ويؤكد المسلمون,
وغيرهم أن الفكر الوهابي التكفيري لايمت الى الأسلام الصحيح بصلة وأن المستفيد
الأول منه هو العدو الصهيوني الأسرائيلي والولايات المتحدة الأمريكية ودول
الأستكبار العالمي الى
جانب الدول
العربية والأسلامية المستبدة التابعة للسعودية من خلال القيام بنشر الفتن الطائفية
والمذهبية والعرقية والفوضى السياسية وعدم الأستقرار والعمل على تشكيل الأحلاف
العسكرية حتى أصبحت الأيديولوجية الوهابية العامل الأساسي في أنتاج ظاهرة التكفير
المعاصر في جميع أنحاء العالم.
فالعقيدة الوهابية
تخالف ما عليه المذاهب الأسلامية, وهي مذاهب أعتمدت على النص القرآني وعلى سنة
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بينما تستند الوهابية الى ما جاء به ابن عبد
الوهاب المعتمد على أقوال وفتاوى أبن تيمية وأبن القيم الجوزية.
لقد ربطت الوهابية
الدين بالسياسة والمال النفطي والتبعية لأمريكا وأسرائيل, وتمكنت من تشكيل العديد
من المجموعات التكفيرية المتشددة للقيام بعمليات أرهابية داخل المجتمعات, وتصفية
القضية الفلسطينية, وتشويه الأسلام المحمدي الأصيل.
وكان الثمن
التاريخي الذي قدمه آل سعود لأمريكا والصهيونية هو الموافقة الخطية على تهويد
فلسطين تنفيذاً للوثيقة التي كتبها الملك عبد العزيز آل سعود عام 1953 بخط يده,
وسلمها الى المندوب السامي البريطاني.
لقد ساعدت
السعودية داعش بأعتبارها جزءاً من عمليات أوسع لإبادة الشيعة, وتحويل حياتهم الى
سيناريو يعتمد أحداثه اليومية على مشاهد القتل والذبح والتفجير وسفك الدماء.
وأعترف رئيس
الأستخبارات السعودي بندر بن سلطان صراحة بأنه ستتولى السعودية مع مليار سني أمر
الشيعة في أشارة واضحة الى إبادتهم, وإشارة الإبادة هي من النصوص اليهودية
الموجودة في التوراة التي تؤكد على إبادة الشعوب والأمم, فاليهود هم أكثر فئات
المجتمع البشري ممارسة للأرهاب والإبادة الجماعية والعنصرية.
وقد سعت الى بناء
تنظيم القاعدة وداعش والنصرة, وذلك تبريراً للأعتراف بيهودية الدولة التي تعود بجذورها
الى الأصول اليهودية, فتبنت فكرة الخلافة الأسلامية لتكون منطلقاً للأرهاب لتضع
الأسلام في محل التفسيرات المتطرفة المشبوهة والنصوص الوحشية التكفيرية لتتمكن من
ترسيخ جذور التكفير والأرهاب الموجودة في التعاليم والممارسات التي رسختها التوارة
والتلمود والأيديولوجية الصهيونية, ولو تمعنا في النصوص التوراتية والتلمودية
والأيديولوجية الصهيونية والتكفيرية لوجدنا فيها الكثير من الأشارات الواضحة على
أشعال الحروب وسفك الدماء والنهب والسلب والقتل والتدمير وخراب الأرض.
وما تفعله أسرائيل
ومملكة آل سعود وآل ثاني لهو دليل واضح على ذلك الحقد والكراهية على البشر كافة, فالفكر
الصهيوني يؤمن تماماً بأن القوة فوق الحق, وهي التي تضع الحق الناتج نظير أستخدام
القوة, والأغتصاب, والأحتلال, والتهويد مثلما تؤمن الجماعات التكفيرية بذات الفكر,
والمنطلق الأيديولوجي فالأرهاب الصهيوني والتكفيري وجهان لعملة واحدة .. فكل
مايفعله داعش والنصرة, والمجموعات التكفيرية الأخرى هي أمتداد حقيقي للعنصرية التي
رسختها التوراة والتلمود اليهودية, فاليهود هم أكثر شعوب العالم أنتماءاً للأرهاب
منذ الخليقة, وما يعيشه العالم اليوم من حروب وأحداث ومشاكل هو جراء تداعيات
الأرهاب الصهيوني والتكفيري, والأرهاب الغربي ممثلاً بالإمبريالية الأمريكية المتحالفة
مع الصهيونية العالمية, وقد أظهرت تلك الأحداث الدامية التي تعرضت لها المنطقة
خصوصاً في العراق وسوريا عن صدق الموقف الأيراني ووفاءه بدعم البلدين الجارين للمحافظة على سيادة ووحدة شعب
العراق وسوريا في مواجهة الأرهاب والتكفير, وقد نجحت الجمهورية الأسلامية
الأيرانية بفضل قيادتها الحكيمة من أفشال جميع المخططات العدوانية التي سعت اليها
الولايات المتحدة الأمريكية وأتباعها من الملوك وأمراء الخليج في محاولة عزلها عن
القضية الفلسطينية وأبعادها عن محور المقاومة الأسلامية.
وأظهرت أيران من
الشجاعة والأمكانيات العسكرية الفريدة التي تجسدت في القيادة الفذة للجنرال قاسم
سليماني في محاربته للأرهاب والتكفير ما أثار أعجاب العالم كله .. وأدرك المجتمع
الدولي أن الأرهاب اليهودي يعود الى جذور دينية أيديولوجية قديمة منذ بداية
التاريخ البشري, وقد بنى آل سعود مملكتهم على نفس الأيديولوجية ليبقى العدو
المشترك هم الشيعة, لذلك نرى السعوديون يقمعون الجهاديين في الداخل, ولكنهم
يشجعونهم ويوجهونهم على العمل في الخارج لاسيما في قتل الشيعة وإبادتهم أستناداً الى
العقيدة الوهابية اليهودية.
أما الحديث حول
الحملة السعودية على القاعدة ليس لأنها تمارس الأرهاب, وأنما بسبب أنشطة الأخيرة
داخل السعودية.
وما يخص التحالف
الأسلامي الذي تقوده السعودية فلا علاقة له بتحرير القدس, ومحاربة الأرهاب
الصهيوني, وأنما أولويته هو أشعال الحروب الطائفية وأقامة شراكة أمنية عربية –
أسرائيلية
وتهديد أمن البلدان العربية والأسلامية وعلى وجه التحديد أمن وأستقرار الجمهورية الأسلامية الأيرانية والوقوف بالضد من محور المقاومة الأسلامية, ومحاولة تمرير الحل الصهيوني للقضية الفلسطينية, وأصبح واضحاً بأن الأرهاب الصهيوني والتكفيري ظاهرة عالمية تديرها الولايات المتحدة الأمريكية والأستكبار الغربي وأسرائيل, وأتباعهم من الأمراء والملوك العرب للهيمنة على ثروات الشعوب العربية والأسلامية, وقد قامت كل من المملكة العربية السعودية وقطر بتدريب وتسليح وتمويل المجموعات التكفيرية والأرهابية وأرسالها الى العراق وسوريا وليبيا لتدميرها وسفك دماء مواطنيها والأطاحة بحكوماتها الوطنية.
وتهديد أمن البلدان العربية والأسلامية وعلى وجه التحديد أمن وأستقرار الجمهورية الأسلامية الأيرانية والوقوف بالضد من محور المقاومة الأسلامية, ومحاولة تمرير الحل الصهيوني للقضية الفلسطينية, وأصبح واضحاً بأن الأرهاب الصهيوني والتكفيري ظاهرة عالمية تديرها الولايات المتحدة الأمريكية والأستكبار الغربي وأسرائيل, وأتباعهم من الأمراء والملوك العرب للهيمنة على ثروات الشعوب العربية والأسلامية, وقد قامت كل من المملكة العربية السعودية وقطر بتدريب وتسليح وتمويل المجموعات التكفيرية والأرهابية وأرسالها الى العراق وسوريا وليبيا لتدميرها وسفك دماء مواطنيها والأطاحة بحكوماتها الوطنية.
ويبقى موضوع
التكفير .. من المواضيع التي تفرض نفسها في المحافل الثقافية كونها باتت تمثل
ظاهرة خطيرة تهدد كيان المجتمعات وأمنها الأمر الذي يستدعي تعميق البحث العلمي
الرصين لمعرفة أسباب بروز هذه الظاهرة, وأتساع حجمها وأنتشار فكرها الضلالي حتى
باتت تقلق المجتمعات الأنسانية كافة.
ولابد من التفكير
الجدي في أيجاد حلول علمية وموضوعية بغية التوصل الى الحلول المناسبة التي يمكن من
خلالها الحد من تفاقم هذه الظاهرة التي أصبحت شبيهة بالآفة التي تهدد الأنسان في
وجوده وحريته وفكره ومذهبه ودينه.
آراء:
إرسال تعليق