هل تعلم أن ظهور أولى الفصائل البشرية أنطلقت من كوردستان
المصدر : كتاب تاريخ وحضارة الكورد ص 253 - 258
من حق
الشعب الكوردي ان يعبر عن قوميته العرقية وفق الخصائص المشروعة، وهم من أوائل
الشعوب التي سكنت المنطقة الجغرافية المعروفة بأستيطانهم عبر التاريخ (History) وأكيد انه لايوجد تاريخ بلا
وثائق، أو آثار مادية ملموسة، فالكورد (Kurds) شأنهم شأن بقية شعوب المنطقة تميزوا بحضارة راقية وتقاسموها مع
كل الشعوب المجاورة لهم من العرب والفرس والترك وحملوا أعتقاداً راسخاً بانهم
ايضاً ورثة حضارة عريقة وأصحاب أمبراطوريات تاريخية قديمة لاسيما الامبراطورية
الميدية والميتانية وشراكتهم التاريخية مع الامبراطورية العيلامية القديمة
والآشورية وغيرها. إلا ان اعجابهم الحقيقي يبقى متعلقاً بالامبراطورية الميدية (Medes
Empire).
وقد لعب
الكورد (Kurds) كمجموعة بشرية على الرغم من عمقهم القومي ودورهم التاريخي الطويل
تأثروا بجذور قوميتهم الراسخة وثقافتهم الكوردية المتميزة.
ان
الموضوعية تقتضي ان لاننكر على الشعوب طموحاتها القومية المشروعة ولكن متى يتحكم رفض تلك المشروعية (Legitimacy)؟ حقيقة ان العالم يرفض ويشجب ان
تتحول القومية الى عامل يثير العدوانية تجاه الآخرين عند محاولتها العمل سلباً في
الحط من قيمهم ومبادئهم.
فمثلاً
المعروف عن الفرس انهم ورثة حضارة عريقة وأمبراطوريات قوية لاسيما في الفترة
الأخمينية والساسانية([1]).
وهم
يعتقدون بانهم لعبوا دوراً مهماً في تأسيس الدولة العربية الاسلامية وان دورهم
أكبر في العلوم والفلسفة واللاهوت والأدب والفن([2]).
انهم كبشر لابد ان يتأثروا بجذورهم القومية وثقافتهم الفارسية وهي تعمل بشكل خفي
في صياغة أتجاهات وأفكار وسلوك الفرد الفارسي.
كما ومن حق
الاتراك ان يعبروا عن قوميتهم على الرغم من ان للأتراك نظرتهم الخاصة حول القومية،
ويعدون شعباً ذو حضارة عريقة، تمكنوا حديثاً في الوصول الى تكوين امبراطورية كبيرة
المعروفة بأسم الامبراطورية العثمانية.
ومصادر
معلوماتنا عن خصائص وحضارة الشعب الكوردي واضحة تم الكشف عنه من آثار أعدت
التحريات والتنقيبات الآثارية من الوسائل التي تم أعتمد عليها كبقايا الأبنية
والفنون والآلات والأدوات بالاضافة الى ماتم تزويدنا به من مصادر تعرف بالنصوص
الكتابية.
وقد ظلت
الكثير من المعلومات مخبأة ومجهولة في محاولة لابقاء الهوية القومية للشعب الكوردي
غير واضحة المعالم علماً ان ظهور أولى الفصائل البشرية التي كانت تمثل أصل الأنسان
منذ حولي 1,750,000 سنة بحسب أحدث الدراسات والأكتشافات الأثرية، عاش الانسان
الأول في العراق منذ دهور طويلة ووجدت آثاره الأولى في كهوف ومغاور المنطقة
الجبلية الشمالية والشمالية الشرقية وقد سمى علماء الآثار تلك الحقبة التاريخية
بالعصر الحجري وهي فترة طويلة جداً قسموها الى أدوار مختلفة نسبة الى تشظية الحجر
وتهذيبه وعرفت هذه الادوار بأسماء المواقع التي أكتشفت فيها اول مرة.
وقد اشرنا
من قبل ان موقع برده بلكه (Barda-Balka) قرب جمجمال (Chamchamal) من أقدم مواقع العصر الحجري القديم كما عثر على كهف زرزي وهزار
مرد في محافظة السليمانية وعثر على آثار
الطور الثاني من العصر الحجري القديم في كهف شانيدار (Shanidar) في أربيل (Arbil) وهو أكبر وأوسع الكهوف المكتشفة
لحد الآن في العراق (Iraq).
وقد عثر
فيه على هياكل عظمية لطفل وثلاثة رجال عرفت بأقدم هياكل إنسان (النياندرتال) هو
الانسان القديم الذي عاش في هذه المناطق قبل الانسان العاقل المعروف باسم
(الهوموسيبنس) وهناك مواقع أخرى تم العثور فيها على بقايا إنسان (Human ) هذه المرحلة منها كهف بالي كورا
(Baly Kura) وفي ملاجئ صخرية مثل بابخال وسراندور بين أربيل وشقلاوة، كما
ويعد موضع زاوي جمي على ضفة نهر الزاب الأعلى قرب شانيدار أقدم مستوطن قروي لحد
الآن في الشرق الأدنى القديم يعود الى العصر الوسيط المسمى (الميولثيك) كما وجدت
آثار أخرى في موقع (كرد جاي) على ضفة الزاب الاعلى بالقرب من قرية (كرد ماملك). ان
كل تلك الاراضي الواسعة التي تمتد لمسافات شاسعة والتي تبلغ ملايين الكيلومترات
ابتداء من جنوب روسيا ومروراً بأرمينيا وأذربيجان وجنوب شرق تركيا وشمال غرب ايران
وشمال العراق وصولاً الى جبال سوريا ولبنان تعد من أخصب الأراضي الزراعية في
العالم تمتد في سهول معشوشبة ومراع خضراء غنية لفتت أنظار مجموعات بشرية مختلفة
وأغرت الأقوام الرعوية الرحالة عبر التاريخ، تلك الاراضي التي نمت فيها مراكز
الحضارة وظهور التجارة الوافرة أدت بالتأكيد الى أنبعاث أقتصادي وسياسي وصناعي متطور
أنعكس فيما بعد في التغيرات القومية التي حصلت لمناطقها المختلفة وأثرت بالتالي
على الاوضاع العامة في العالم القديم آنذاك، وبعد أكتشاف الحديد والبرونز وغيرهما
من المعادن بالاضافة الى عوامل اخرى نشطت الزراعة وأدت الى استقرار الشعوب والى
ظهور المدن الحديثة، واستقرت في هذه المنطقة مجموعة بشرية من لغات ولهجات قريبة
الواحدة من الاخرى تنتمي جميعها الى أصل واحد. وكان الصراع قوياً ومستمراً مابين
هذا الشعب والشعوب الاخرى المجاورة لها، من اجداد الترك والمغول والفرس والاقوام
القديمة العديدة للسيطرة على مصادر الرعي الجيدة في تلك الاراضي السهلية الواسعة
ولما جاء الاسلام كانت القوات الاسلامية في زمن الفتوحات تتألف من غالبية كوردية،
عرف عن الكورد (Kurds) فرسان
محاربين توغلوا بقوتهم الى غرب أذربيجان وعبروا نهر آراكس ومابعدها وكانوا يشكلون
دائماً قوة تحمي البلاد الاسلامية من الغزاة الشماليين من الجورجيين والروس
والأبخار والتتار والبيزنطينيين من الغرب.
ان العرب
المسلمين عندما بسطوا نفوذهم بصورة غير مباشرة على تلك المناطق كانوا في الواقع
يتزعمون العنصر الكوردي في جهادهم)) ([3]).
لأن الكورد
هم الذين يمثلون القوة الاسلامية الكبيرة في كل من أذربيجان وأرمينيا وجورجيا
ومناطق أخرى من آسيا آنذاك وساهمت في
التفوق السياسي والعسكري للمسلمين بالاضافة الى التوسع البشري الذي لعب دوراً
مهماً في حياة شعوب هذه البلاد والجدير بالذكر ان ماقام به الروس ايام حكم لينين
وستالين في استخدام البطش والإرهاب لتشريد وتهجير مئات الآلاف من كورد قفقاسيا نحو
أواسط آسيا أيام الحكم البلشيفي جاء انتقاماً للمراحل التاريخية القديمة، فاقت
منها روسيا متأخرة لترد بعنف على ماقام به الكورد من خدمات جليلة للإسلام.
فقد أرتبط
دور الكورد السياسي والعسكري والاجتماعي بالعالم الاسلامي منذ العهد الاسلامي
الأول أبان الفتوحات الاسلامية وهذا مايؤكد توفر الشروط الذاتية والموضوعية لتكامل
القومية الكوردية في شمال وادي الرافدين وغرب ايران قبل ميلاد السيد المسيح ببضع
قرون، لعب أبناؤها دوراً أساسياً في تاريخ المنطقة التي كانت دائماً مسرحاً
للاحداث والصراعات الدامية على مر العصور، ويشير المؤرخون ان للدولة الروادية
الكوردية الحاكمة في أذربيجان أرمينيا التي تنتسب اليها أسرة صلاح الدين الايوبي
الفضل في صد الحملة الصليبية الأولى التي قامت بها الاقوام الشمالية من البدو
الجورجيين والروس والابخاز ومن الغرب البيزنطينيين المتحالفين معهم.
كما دون
التاريخ اخبار القائد الكوردي (Kurdish leader) صلاح الدين (SALAHADIN) والأسرة الايوبية التي صدت الحملة الصليبية الثانية والثالثة
والرابعة وعلى ضوء نتائجها العسكرية تم تحرير فلسطين وأرجاع سيادتها كاملة الى العرب
المسلمين([4]).
ففي الوقت
الذي كان فيه الصليبيين يهاجمون بلاد الشام لأجل القضاء على السيادة الاسلامية
فيها، كان الروم والكرج والأرمن في هجوم مستمر على الإمارة الشدادية بصورة خاصة
والمشرق الاسلامي بصورة عامة، لكونها كانت تعد ثغراً من ثغور الاسلام تجاههم، وكان
للصليبيين يد في ذلك لسببين، أولهما- لابعاد جيش المشرق الاسلامي من المشاركة في
الحروب الصليبية، ولخلق روح العداء بين المسلمين في المشرق والأرمن بصورة خاصة كي
لايتوصلوا الى نوع من الاتفاق بين الطرفين، ويجب ان لاننسى بأن أصل الناصر صلاح
الدين من مدينة دبيل ومن بطونها، إذاً لابد من أن يكون لصلة القرابة هذا دافع قوي
كي يشارك الشداديون بجانب الايوبيين ضد الصليبيين اضافة الى العامل الديني، ثم بعد
تحرير مدينة (بيت المقدس) أعلن كل من صاحب أذربيجان وأران وأرمينية طاعتهم به([5]).
وأنظر: اليعقوبي حوادث الفتوحات الاولى للمسلمين، وابن
الاثير الكامل في التاريخ وماثيوس الأورفلي (الحروب الصليبية الاولى).
آراء:
إرسال تعليق