كتاب تاريخ العراق السياسي من احتلال بغداد الى سقوط الموصل (2003-2016) - دار زهرة الرافدين للنشر والتوزيع






تاريخ العراق السياسي
من احتلال بغداد الى سقوط الموصل
2003 - 2016
الكاتب الدكتور محمد محمود المندلاوي
طبع الكتاب سنة 2022
نبذة عن الكتاب :
تستأثر دراسة تأريخ العراق القديم والمعاصر منه بشكل خاص أهتماماً كبيراً من قبل الأوساط العراقية والعربية والعالمية بسبب غموض الكثير من أحداثها ولما تتضمنه من أسرار وخفايا . ولو بحثنا في مفاصل هذا التاريخ مع كل ما مر على بلاد الرافدين من تعاقب للحكومات وماشهدته من محن وتمزق وتكالب الأعداء والمستعمرين عليها الى وقتنا الحاضر ، نجد أن كل ما يمر به العراق اليوم من أحداث مروعة وغريبة ليست بالأمر العجب لأن العراقيين قد ذاقوا الأمرين منذ زمن بعيد . وسنجد حكاماً على شاكلة صدام قد تكرروا في ذلك التاريخ المعقد سلوكاً وزعامة فضلاً عن كونه كان يمثل تاريخاً حافلاً بالكثير من الجرائم والمؤامرات والنكبات والفتن الى جانب ماشهدته من أنقلابات وأضطرابات سياسية وأجتماعية كانت الأغرب على مدى هذا التاريخ الذي لم يكن مفرغاً من أنواع البلاءات والأزمات  التي شهدتها البلاد جراء سياسات حكامها . فقليل ممن تولوا الحكم في بلاد الرافدين قد ماتوا بشكل طبيعي ولم يشر التاريخ الى أن هناك حاكماً واحداً فقط قد تنازل عن العرش بمحض أرادته .وعاش أهل العراق في أكثر مراحل التأريخ قصصاً درامية تثير الدهشة في أحداثها التي قد لا نجد مثيلاتها من القصص في تاريخ الشعوب والأمم الأخرى ، فالكثير من هذه الأحداث المؤلمة التي مروا بها كانوا فيها مسلوبي الأرادة سواءاً برضاهم أم بعدمه إلا ان العنف كان يبدو أمراً متجذراً داخل المجتمع العراقي حتى أصبح بمرور الزمن يشكل خللاً في منظومة السلوك الأجتماعي الى الدرجة التي بات يمثل خطراً يحدق بالعراقيين أنفسهم وللأسف أن هذا الخلل أصبح ملازماً للناس على مدى هذا التأريخ الطويل.
 وعلى الرغم من أن بريمر كثيراً ما كان يصرح بأن الحكومة العراقية ذات سيادة إلا انها لم تكن بهذا الشكل أبداً فقد كان الأمريكان يعرفون جيداً أن وما يثير السخرية حقاً أنه كان حديثاً مصاحباً لمواقف بعض الساسة العراقيين الذين أخذوا يتملقون للشعب على أنهم جادون في حل الأزمات التي يعاني منها الناس وفي الجانب الآخر فأن الأموال الطائلة من عائدات النفط العراقي لا زالت تذهب سراً الى جيوب وخزائن أطراف عدة ، والمفارقة المضحكة الأخرى أرتفاع سقف الرواتب والأمتيازات التي يتمتع بها أعضاء الحكومة العراقية وهناك مواطنون يبحثون عن لقمة الخبز في اكداس القمامات المنتشرة في شوارع وازقة العاصمة بغداد . لقد كان غالبية السياسيين منعزلين عن هموم ومشاكل الناس ولا يهمهم أية أصلاحات من الممكن ان تسهم في خدمة المجتمع العراقي بل كان همهم مقدار ما يقبضون من أجور وأمتيازات والتي فاقت مقدارها ما يمكن أن يحصل عليه أقرانهم من السياسيين في جميع أنحاء العالم . ورغم كل ما يحصلون عليه من أمتيازات إلا أنهم بقوا غير جادين في اعمالهم حتى كانت مجمل مقترحاتهم لا تنصب في صالح الشعب الذي أستشرى البطالة بين أبنائه الى درجة كبيرة جداً في بلد يعرفه العالم كله على أنه يعوم على بحر من البترول ، وأمام هذه البطالة فأن الدولة العراقية قد أهدرت اكثر من 270 مليار دولار خلال 4 سنوات فقط .وفي ظل تمتع أصحاب السلطة والقرار بما يحصلون عليه من أمتيازات خرج الناس من صمتهم وأخذوا يعلنون عن سخطهم ورفضهم لما يحصل ويتوجهون بالأنتقادات اللاذعة والصريحة الى السياسيين وأخذ الأمر منحاً خطيراً عندما تحولت الأنتقادات الى تهديدات بالقصاص حتى بات غالبية السياسيين والمستفيدين منهم يخشون التجول علناً في شوارع بغداد خشية التعرض للقتل .                                                    
وللأسف فأن بريمر قد أساء بالفعل أختيار الأشخاص من الذين جعلهم ممثلين عن الشعب والمتكلمين عن أرادته ، فلم يكن قط أحداً من أعوان بريمر يهمه مصلحة الوطن بل كانوا مجرد حفنة من اللصوص على شاكلة بريمر ذاته جل أهتمامهم تقديم مصالحهم الشخصية على مصلحة الوطن والمواطن ، ولم تكن الديمقراطية الأمريكية أفضل حالاً من الديمقراطية التي كان يتداولها النظام العراقي السابق ، وضجر الناس من الملك بريمر ومعاونيه المتخندقين في المنطقة الخضراء المحصنة . وكانت الأمور تجري بطريقة خاطئة وكان من الممكن صياغة ستراتيجية مغايرة يمكن لها أن تريح الشعب وتخلصه من معاناته إلا أن هؤلاء القوم كانت لهم أجنده خاصة أساسها تدمير الشعب ونهب ثرواته .              .              
ومن مجمل الأحداث اليومية التي أخذت تفرض نفسها على حياة الناس فقد كان يبدو جلياً أن العراق يتجه نحو المزيد من الأزمات والأنتكاسات بسبب عدم فاعلية مجلس الحكم الأنتقالي الذي باشر وظائفه في 13 تموز 2003 لأنهم كانوا حقيقةً بعيدين جداً عن الأجواء التي يعيشها العراقيون لأنشغالهم اليومي بالصراع على كراسي السلطة في بغداد.                .           
وأصبح جيش المهدي يشكل هاجساً مقلقاً لبريمر ومعاونيه والمتصارعين على السلطة لذا كانوا على الدوام في حالة حرب سياسية وأعلامية ضد جيش المهدي بغية أنتزاع الشرعية منه وتحجيم دوره .                   .                 
 وفي الحقيقة كان جيش المهدي يشكل عقبة كبيرة أمام الائتلاف بل وحتى أمام السياسيين ، وكانوا على أستعداد تام للتخلص منه متى ما سنحت لهم الفرصة ، أما الجيش الأمريكي فقد تفادى وقوع المواجهة مع جيش المهدي لما كان يتمتع به من شعبية كبيرة في الشارع العراقي .        .         
 وفشلت أدارة بريمر من الوصول الى تسوية أو مقايضة مع الزعيم الشيعي ((مقتدى الصدر)) نظراً لكونه كان رافضاً بشكل قاطع وجود الأحتلال الأمريكي للعراق ورفض أي تعامل معه بأي شكل من الأشكال وكان بريمر يمني النفس في التخلص من السيد مقتدى الصدر ويعتقد ان التخلص منه سيولد نقمة شعبية لما له من قاعدة جماهيرية وعلى الرغم من أن أدارة بريمر كانت ترى سلبية السياسيين العراقيين أمراً في  

هؤلاء ليسوا سوى مجموعة من المنتفعين الوافدين من الخارج قد حصلوا على ما حصلوا عليه في غفلة وفلتان الأمور في ظل الأحتلال وعدم استقرار البلاد .

أن الأدارة الأمريكية تقف وراء كل الحسابات الخاطئه والنتائج المزرية التي يعانيها العراقيون فلو كانت هذه الأدارة المتسلطة جادة في سعيها نحو أحلال السلام والأستقرار في العراق كما تزعم لتمكنت من تحقيق ذلك بسهولة تامه عن طريق أحكام السيطرة على الشارع وحماية ممتلكات الناس والدولة وأبعاد هؤلاء الحفنة من الساسة والمتطفلين المتصيدين في المياه العكرةمن السيطرة على مقاليد السلطة في بغداد ، فأذا كانت الولايات المتحدة غير قادرة على أختيار الرجل المناسب لقيادة العراق بعد أزاحة صدام عن السلطة فلم أقدمت أساساً على مثل هذه الخطوة !!! فهل من المعقول بعد كل ما فعلته وجيشت له من جيوش وأمكانيات انها لم تضع في حساباتها الستراتيجية المناسبة لمواجهة كل الأحتمالات والمواقف الممكنة عند أتمام أحتلالها للعراق ؟!!                           .                             

فعلى الرغم من أن المبعوث الرئاسي الأمريكي  لأدارة هذه المرحلة أراد الظهور بمظهر البطل والفارس الذي من الممكن أن يفرض سيطرته على الموقف الراهن إلا أن الأحداث قد كشفت على أنه بطل من ورق بل مجرد لص كبير وهذا ما يبدو مطابقاً لهيئة بريمر كفارس للمنطقة الخضراء.

ولعل ما أبداه من تعجرف عند أعلانه نبأ القاء القبض على الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين تحديداً في تمام الساعة الثامنة والنصف من يوم السبت 13 كانون الأول / ديسمبر 2004 أراد أن يقول بأنه رجل العراق  الجديد  وفي الحقيقة  كانت رؤيته تثير الأشمئزاز والسخرية فعلى الرغم من أن أندهاش العراقيين من نبأ القاء القبض على صدام إلا أن ما تم عرضه كان يبدو غير واقعي تماماً فالكثيرين لم يصدقوا أن من شاهدوه هو حقاً الرئيس العراقي ؟ وبدى الأمر صدمة بمعنى الكلمة ، الكل غير مصدق لما يراه وفي النهاية أنه كان صدام يبدو عليه التعب والأنهاك ، وتسأل الجميع هل هذا هو فعلا صدام حسين الذي كان كل من يقف أمامه ترتعد فرائصه ؟                                                .                                                                        
أن ما شاهدناه جميعاً كان يمثل أحد مشاهد السينما  الهوليودية حيث تم تصوير صدام في حفرة عمقها نحو ست أقدام  ويقف في أعلى الحفرة  الجنود الأمريكان الأشاوس وهم يصوبون فوهات بنادقهم الى هذا الرجل الذي أرعبهم طويلا .... وقد غفلت الأدارة الأمريكية بأن أشجار النخيل لا تثمر في فصل الشتاء، وهذا ما أعطى أنطباعاً واضحاً بأن عملية الأعتقال قد تمت على ما يبدو في فترة أبعد مما أعلن عنه ، فضلا من أن التصوير قد بدى وكأنه فبركة أمريكية لا تقبل الشك أبداً أن كل الصور التي عرضوها هي مشاهد تمثيلية بأعترافهم وهي مجرد محاكاة لما يقولون أنهم قاموا به وبالتالي يمكننا القول أنها وبتعبير دقيق عبارة عن تمثيل للكذب ، ويبدو أن بريمر قد تمكن من اقناع الأدارة الأمريكية في واشنطن بضرورة هذا التوقيت ليعد انجازاًونصراً أمريكياً في ظل التخبط السياسي وما يتعرضون له من خسائر جسيمة في العراق وليثبتوا للعالم بأنهم يحكمون سيطرتهم على بلاد الرافدين .                                 .                                        
 بعدما تفاقم الوضع الامني كثيراً وتصاعدت العمليات التفجيرية في شوارع وأحياء بغداد وضواحيها وفي ظل تزايد مطالب العرب السنة بنسبة أكبر من التمثيل السياسي في السلطة .                        .                                          وراهنت الأدارة الأمريكية على الدكتور ((أياد علاوي))(1) حيث رأت فيه الرجل المناسب لهذه المرحلة لقيادة البلاد .                               
وظلت الأجواء في بغداد مشحونة بالنزاعات الطائفية والصراع على السلطة لتتحول بغداد الى مدينة للأشباح بعد تزايد أعداد الضحايا في كل أرجائها جراء أعمال العنف والأرهاب .
                 
أما ملك العراق بول بريمر فكان طيلة اربعة عشر شهراً غير قادر بالفعل التوصل الى اي حل لمشاكل العراقيين إلا فيما يخص مصالح الولايات المتحدة ، وبالطبع الى جانب تطلعاته الشخصية ، بينما أخذت مأساة الجوع والحرمان والبطالة تفتك بالناس ،  وبريمر وبطانته يستغـلون الأمـوال العراقية كيفما يشاؤون ، ويتذرع بريمر كما هو شأنه دائماً بأكاذيبه حول المبادىء الديمقراطية بقوله ..بأنها تحتاج الى  جهود وأموال لتعزيزها وكأنه المخول على بيع الديمقراطية وكأنها سلعة تجارية.      
                                                                  
أجل فقد أصبحت هذه الديمقراطية قبيحة جداً ومجرد هراء وأكاذيب ، وهذا ما دفع بالعراقيين الى عدم الوثوق ببريمر وأدارته ولا بالسياسيين الجدد المتملقين لواشنطن والمتهمين بفضائح مالية وقد أشارت عدة تقارير صادرة عن صحف أمريكية وبريطانية عن هؤلاء الساسة بأن مجموع عمليات الفساد المتهمين بها قد تخطت مبلغ 45 مليار دولار حسب ماهو ظاهر ومسلسل الفساد وسرقة الأموال العراقية مستمرة ومنها فضيحة وزير الدفاع الأسبق في الحكومة العراقية حازم الشعلان والذي أبرم حسب ما تناقلت تقارير عراقية عن صفقة أسلحة أوكرانية فاسدة بمبلغ 929 مليون دولار بالأضافة الى صفقة شراء 27 طائرة سمتيه بمبلغ 227 مليون دولار، ومن ثم تبين لاحقاً وجود 4 طائرات فقط والملفت للنظر أن تكون هذه الصفقات بأشراف أمريكي عراقي ثم تبعتها صفقة الأسلحة البولونية ثم تبعتها ظهور فساد جديد في عقود أسلحة أخرى لوزير الدفاع اللاحق عبدالقادر العبيدي والتي كشفت عن وجود تلاعب وسرقة تقدر بمليارات أخرى وأستمر مسلسل الصفقات وسرقة الأموال العراقية وصولاً الى صفقة السلاح الروسية التي أظهرت هي الأخرى وجود تلاعب كبير بقيمة العقود المبرمة مع روسيا ولم يكن الفساد مستشرياً في وزارة الدفاع وحسب بل وفي جميع الوزارات العراقية .                                        .                            
علماً أن ادارة الأحتلال كانت تسعى لأقفال اي ملف يتعلق بعملية فساد من اجل التغطية على المشاركة في سرقة ومصادرة ثروات الشعب العراقي فالكثير من العملاء الأمريكان قد أخذوا رزماً كبيرة من النقد لأنفسهم وعقدوا صفقات مربحة مع متعاقديهم من العراقيين.                      .                         
ومع غياب المسائلة الحقيقية كانت الثروة الوطنية العراقية تهدر فكم من الأموال كانت تذهب لأصدقاء وعوائل الوزراء وموظفي الخدمة المدنية أو تتسرب الى حسابات في بنوك سرية خارج البلاد والجدير بالذكر فقد أصدر المفتش العام لأعادة أعمار العراق تقريراً يفصل أدلة على الأحتيال والفساد والضياع ارتكبتها الحكومة العراقية المؤقته خلال أدارة بريمر حيث وجد ان 808 مليار دولار مجمل أنفاق الحكومة العراقية المؤقته من تاريخ 2 حزيران 2003 الى حزيران 2004 لم يتم حسابها بشكل صحيح فالوزراء والمسؤولون الكبار كانوا مطلقي اليد في تسليم مئات الملايين من الدولارات نقداً كما يشاؤون أمام أنظار المستشارين الأمريكان وللأسف لقد توفرت كميات كبيرة من الأموال للسلطة المؤقته التي كان يرأسها بول بريمر من أجل أنفاقها على أعادة اعمار البلد إلا أنها كانت تحول الى حساب جديد في البنك الأحتياطي الفدرالي في نيويورك فضلاً عن أن القسم الآخرمن هذه المبالغ كانت تذهب الى حسابات اللصوص والمحتالين .          
وقد أكد وزير الدفاع الأمريكي رامسفيلد وبريمر بأن أعادة أعمار العراق قد تم الأنفاق عليها من قبل بلد متحرر أي من قبل العراقيين أنفسهم ، لقد كان النهب متفشياً بشكل كبير وتصدير النفط العراقي كان يجري بلا عداد وليس هناك تفسير مقنع لذلك سوى أن العراق يتعرض لأكبر عملية نهب في التأريخ.



* تنوية :
جميع حقوق الكتاب محفوظة لدار زهرة الرافدين وللدكتور محمد محمود المندلاوي ولا يحق لأي طرف استخدام الكتاب بشكل غير صحيح كنقلة او اعادة طرحة او التلاعب بالكتاب بدون الاذن الشخصي للكاتب , وعند نقلة الى اي موقع او منتدى او مدونة او شبكة تواصل اجتماعي ..... الخ  يرجى ذكر المصدر .
 دمتم سالمين

                                                           

آراء:

إرسال تعليق

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

اعلان دار زهرة الرافدين

الى كافة دور النشر العربية والاجنبية وكافة المواقع الالكترونية الراغبين بشراء حقوق طبع
في مايتم اختيارة من الكتب المنشورة في مدونتنا والتي حقوق طبعها عائدة للمؤلف وموقعه
نحن على اتم الاستعداد للتعاون

يتم التواصل عبر البريد الالكتروني

Translate

جميع الحقوق محفوظة

دار زهرة الرافدين © 2022 | تطوير مصممي

اتصل بنا

جميع الحقوق محفوظة لدار زهرة الرافدين للنشر والتوزيع. يتم التشغيل بواسطة Blogger.